الأربعاء، 6 فبراير 2008

انا بكره فلسطين - رشيد ثابت

"أنا بَكْرَه فلِسْطين"! هذا ما ينقص المشهد الإعلامي الرسمي في مصر...أغنية جديدة لشعبان عبدالرحيم تمسح ذكرى "أنا بكره إسرائيل" وتشهر فلسطين عدوًّا رسميًّا. ويمكن بدلا من إعلان محبة "عمرو موسى" هذه المرة أن يقول شعبان أنه يحب "أسامة سرايا" أو أيًّا من عشرات الأقلام التي تبارت على صفحات الجرائد المصرية في افتعال الدفاع عن مصر ضد غزو "التتار" الغزِّيِّين! ولولا أن "فريد شوقي" قد توفاه الله لاقترحت عمل جزء ثانٍ من "وا إسلاماه" بعنوان "وا حُدوداه" ويكون فيه فريد زعيم "الغزازوة" والخصم اللدود لحسين رياض الذي ينتصر في النهاية و"يخزق" عيني غزة!

هذا ليس مقالا ساخرًا وهذه الصور ليست بعيدة عن الواقع؛ فالإعلام الحكومي المصري لم يدخر فكرة في كتاب "كيف تشوه سمعة مجموعة بشرية ما" إلا وطبقها ضد الفلسطينيين المساكين. حسب صحف الأمن المركزي صار الفلسطيني مخلوقا بغيضًا ونكِرة لا يُعَرِّفُها إلا اتصالها بكل منقصة وكل وسيلة ممكنة للاعتداء على مصر. هل شاهدتم فلم "إي تي" من قبل؟ هل رأيتم أفلام الخيال العلمي وكيف صمم مخرجو "هوليوود" فيها الخصوم القادمين من المريخ لغزونا في أشكال وصفات منفرة؟ في جرائد الدولة في مصر صار الفلسطيني عدلا بذلك كله وزيادة. هو الآن مخلوق دميم متقزم القامة بكرش مدبب ورأس خرقاء منتفخة بشكل كستنائي...أسنانه قبيحة و"شلاطيفه" عريضة وفمه القبيح يفرز ربع لتر لعاب ومخاط في الدقيقة...هو باختصار كتلة من البغض لا تحبه في الخلق ولا حتى أمه التي ولدته! فالفلسطينيون في رفح والعريش "شفطوا" كل البضائع – كأنهم سرقوها ولم يدفعوا ثمنها بحر مالهم – وتحدوا سيادة الحدود المصرية وهددوا أمن مصر القومي و"سرقوا الونش"! الفلسطينيون تسببوا بكل بغض وقبح في رفع الأسعار على سكان سيناء "الغلابى"! كل هذا مع اهمال متعمد للجانب الآخر المشرق والمتمثل في انعاش تجارة واقتصاد المحافظة القفر – المحافظة التي يشعر سكانها باهمال الدولة المصرية لهم لدرجة أنهم يسمون أهل البر المصري "بالمصريين" للدلالة على أنهم لا يحسون أنهم منهم!

هل فلسطين هي من قتلت عشرات آلاف المصريين؟ هل غزة مسؤولة عن ستين ألف مصري في عداد المفقودين(هذه هي الوصفة المخففة للاقرار بأنهم ذبحوا على يد الصهاينة أثناء الأسر وذهب دمهم مطلا وبدون مساءلة من الدولة المصرية لصديقتها في تل أبيب)؟ وهل نحن من أدخلنا وندخل الإيدز والمخدرات والرقيق الأبيض والمبيدات المسرطنة والأعلاف المسممة والأدوية "المضروبة" للقطر المصري باستمرار؟ هناك سابقة في غفران ذلك كله للصهاينة حين فعلوه في مصر ومن موقع الاقرار بالجريمة وعدم الاكتراث بمشاعر المصريين؛ فلماذا يصنع إعلام الأمن المركزي معنا كل ما يصنعه؟ لماذا هذا الفحش ولماذا هذا الحقد الباطني على الفلسطينيين وعلى الإسلاميين دونما ذنب اقترفناه؟!

أنا أعرف أن كثيرًا من أهل مصر يأخذون بالرأي الفقهي الذي يجيز لأهل السنة التوسل بالأموات؛ فهل أتوسل الآن ضد هؤلاء بحبر الأمة في القرن العشرين سماحة الإمام المرحوم محمد متولي الشعراوي؟ هل أتوسل بالمرحوم محمد جلال كشك والسيدة الفاضلة سهام نصار أعرف أهل مصر بصحافة الموساد في مصر؟! هل أتوسل بالشافعي والعز بن عبدالسلام؟ وهل يرضيك يا قطز كل هذا الذي يجري؟ وهل يرضيك أنت يا عمر مكرم؟ أنت يا مكرم دون غيرك – وكقيادي في حرب التحرير ضد حملة نابليون على مصر – تعرف فضل غزة وسوابقها في الخير...تعرف ذلك من يوم خطط محمد وعبدالله الغزي الطالبان الأزهريان عملية اغتيال "كليبر" القائد العام لجيش فرنسا الغازي في مصر ونفذها شامي ثالث هو "سليمان الحلبي"!

لكن أنا واثق أنني لست في حاجة لمخاطبة الأموات. مصر الحية كلها معنا و"إعلام المخابرات" لا يمثل إلا حفنة من الضباط المفطورين على كره الاسلام والعروبة وفلسطين ومصر قبل كل ذلك! هؤلاء و"ترزية" الصحافة من كتبة المخابرات لن يغيروا في وعينا ولا حمولة عصبون واحد من المعلومات عن مدى طيبة وكرم وسماحة وسمو مصر الحقيقية والمصريين. ليس فقط من أجل قوافل المساعدات؛ وليس فقط من أجل "كيس" الطماطم الذي أرسلته المرأة الفقيرة التي لا تملك غيره ليأكل أهل غزة منه؛ وليس فقط من أجل سبعين مظاهرة للاخوان المسلمين؛ ولا لأن القوميين والناصريين أيضًا معنا. هذه الأسباب – على قوتها ووجاهتها ومع الاحترام للجميع – تقزم العلاقة بين مصر وفلسطين. ما يجمع فلسطين بمصر كبير جدًّا جدًّا؛ وعظيم جدًّا جدًّا؛ وما ابتدأ بالتاريخ والجغرافيا ووثقه حاطب بن أبي بلتعة – رسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس عظيم القبط – وشهد عليه عمرو بن العاص؛ وعَمَّده صلاح الدين والظاهر بيبرس بالنصر والسيادة والسؤدد؛ فليس لمخبرين أو كتبةٍ لهم أن ينقضوا عراه. ضمير الأمة أكبر من المخابرات ومن إعلام المخبرين يا سفلة! وغزة التي تتآمرون عليها وعلى شعبها وشعب فلسطين والحركة الإسلامية هي التي "ستخزق" عيني الكافر والفاجر معًا؛ وستكون مصر معنا عليكم وضد مرضعتكم "إسرائيل"؛ والأيام بيننا.

ليست هناك تعليقات: