الثلاثاء، 4 مارس 2008

حديث فى المسلمات...المستشار طارق البشرى.

أفي كل يوم صار حتما علينا أن نعيد الحديث ونكرره في المسلّمات وفيما ينبغي أن تكون عليه السياسات الوطنية لمصر، حماية لأمنها وأمن المصريين الجماعي؟
أفي كل يوم صار حتما علينا أن نزيد ونعيد ونقول، بأن فلسطين ليست شأناً فلسطينياً، وان القوى العالمية لا تهتم بها لذاتها، ولكن يجري الاهتمام بها لموقعها ولإمكان السيطرة بها على الآخرين من بلاد العرب، وان إسرائيل لم تُزرَع عندما زُرعَت الا من اجل ضمان بقاء السيطرة الاستعمارية على مصر؟
إن هناك أطناناً من الكتب والمقالات والدراسات تتحدث عن التاريخ والجغرافيا ومسائل الأمن القومي لمصر وبلاد العرب ودور إسرائيل المدمر للمستقبل العربي كله وأمن شعبه وأقطاره ودوله. يكفي ان هذه المنطقة منذ انزرعت إسرائيل في قلبها لم تعرف استقراراً سياسياً أو عسكرياً أو اقتصاديا.
يذكر أمين هويدي وزير الدفاع الذي أعاد بناء الجيش المصري بعد حرب 1967 ورئيس المخابرات العامة، يذكر أن حرب 1967 مثلا بدأت من سنة 1952 اما نهايتها فلم تتحدد بعد ولا يعرف احد متى ولا كيف تكون (حرب 1967 الطبعة الأولى 2006 ص 17).
ويلاحظ اللواء المرحوم حسن البدري المؤرخ العسكري الشهير تكرار الجولات الحربية مع إسرائيل بفواصل زمنية قصيرة نسبياً (الحرب في أرض السلام 1967 ص 14).
وهي صارت الآن ثماني حروب وانتفاضات مسلحة خلال ستين سنة، بمتوسط أقل من ثماني سنوات فارقا زمنياً بين كل واحدة والأخرى.
ولا تزال كتابات اللواء الدكتور فوزي محمد طايل استاذ الاستراتيجية الشاملة، وكتابات اللواء المرحوم صلاح سليم واحاديثه ودراساته حية في أذهاننا، نعرف منها من هو العدو من الصديق.
هل نشأ بيننا اليوم من لا يعرف من هو العدو ومن هو الصديق، فينظر إلى الشعب الفلسطيني باعتباره شعبا يغزو مصر وأرض سيناء، ولا يدرك الخطر على بلده وشعبه من قوة العسكرية “الإسرائيلية” الصهيونية ذات السلاح النووي والأطماع التوسعية؟
ألم يعرف هذا الناشئ فينا من قتل جنودنا وأهالينا واحتل أرضنا وبنى عليها المستوطنات حتى حررتها قواتنا المسلحة؟
أقصد بالناشئ بيننا أصحاب هذه الأقوال المستنبتة التي لم نعرفها قط من قبل، فلم نعرف من قبل مصريين يقولون إن خطرا يهدد بلدهم يأتيهم من الشعب الفلسطينيي والعربي، ولا يأتيهم من إسرائيل وقواتها المسلحة.
وقد قامت الحركات الوطنية المصرية طوال القرن العشرين على هدف الاستقلال الوطني، وهي بهذا تستهدف إجلاء المحتل الأجنبي إن وُجد محتل، وتستهدف علاقات وثيقة مع السودان المستقل إن تهدده خطر من خارجه، وتستهدف ايضا الوقوف مع الشعب الفلسطيني ضد الغزاة لأرضه، لأن في هذا الوقوف مكافحة للخطر الذي يتهدد مصر بمثل ما يتهدد الفلسطينيين.
أنا لا أعرف من أي مورد فكري أو سياسي جاء هؤلاء الناشئون بيننا. إذ في بضع سنوات وجدناهم متصدرين ومتربعين، ويقولون بالتحالف الاستراتيجي مع العدو الاستراتيجي المتمثل في إسرائيل والولايات المتحدة، ويتكلمون عن الأمن القومي بحسبانه أمن افراد ومصالح فردية وليس أمن شعب وجماعة سياسية. ووطن فداه أبناؤه دائما بأرواحهم.
إن العسكريين الوطنيين المصريين، هم من علمونا أن لا أمان لمصر كأرض وشعب، متي وجدت دولة معادية لها في فلسطين أو في السودان، وهم يقصدون بالدولة المعادية ان تكون هذه الدولة ذات قوة قادرة علي الفعل العسكري من دون أن تملك أنت أن تقاومه أو ترده، وأن تكون هذه الدولة ذات سياسات متناقضة للسياسات التي تتبعها دولتك تحقيقا لما تراه صالحا لها. وهذا بالضبط هو موقف إسرائيل بالنسبة لمصر.
وغزة بالذات كانت خاضعة للإدارة المصرية من سنة 1948 حتى ،1967 واحتلتها إسرائيل من أيدينا في حرب تلك السنة، وساومنا نحن إسرائيل على سياساتنا كلها ومستقبلنا كله وتنميتنا المستقلة كلها، وساومناها على نزع السلاح المصري من سيناء المصرية، ساومتنا بذلك كله مقابل أن تجلو عن سيناء وتبرم معنا اتفاقية سلام، رغم أننا كنا منتصرين في حرب 1973. وتركنا لهم غزة التي كانت عهدة في رقبتنا السياسية.
واليوم تعلو أصوات بأن أهالي غزة الفلسطينيين خطر على الأمن القومي المصري، أهالي غزة وليس جيش إسرائيل هم الخطر على مصر. إن جاز أن يرفع أمر من أمور هذه الدنيا إلى مرتبة القداسة، فهو مسألة الأمن القومي، لأن فيه أمان الجماعة ومصيرها على المدى الطويل. ولذلك فهو لا يقبل تلاعباً ولا خفة في المعالجة، ولأنه هو مما نموت دفاعاً عنه ونكون شهداء.
وما من أمة تختلف بعضها مع بعض في مسائل أمنها القومي أو تتخذ مسائِلُهُ مجرد أدوات لصراعات سياسية يومية بين اتجاهات حكومية ومعارضة.
إننا إن التبس علينا أمر كهذا مع وضوحه وحسمه وتبلوره بخبرة التاريخ ومحن السياسة ودماء الشهداء، نكون إذا من الهالكين، وقانا الله شر المصير- والحمد لله.

ليست هناك تعليقات: